ثلاثة عقود من الاختفاء والقمع.. تقرير أمريكي يكشف مأساة التبتيين

ثلاثة عقود من الاختفاء والقمع.. تقرير أمريكي يكشف مأساة التبتيين
سكان من هضبة التبت

 

يرسم تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 صورة قاتمة لوضع حقوق الإنسان في التبت، حيث تتكرر أنماط الانتهاكات من احتجاز تعسفي واختفاءات قسرية وتعذيب وقيود على حرية الدين والتعبير والتنقل، مع استمرار محدودية الوصول للإعلام والمراقبين الدوليين وتثبيت منظومة أمنية صارمة تراقب الأفراد والمؤسسات وتعيد تشكيل المجال العام بما يطمس هوية المجتمع التبتي، ويشدد التقرير على غياب المحاسبة وتسلسل إفلات راسخ لمنتهكي الحقوق. 

تقييد التعبير في التبت يتجاوز الخطاب السياسي إلى مكونات الهوية اليومية كاللغة والرموز الدينية والتعليم، وقد وثقت تقارير موثوقة ملاحقات لمنشورات رقمية، وانتقادات سلمية، وتوسعاً في التدقيق الأمني داخل المعابد والمدارس والمجال الافتراضي، مع مراقبة لصيقة للشخصيات الدينية والمؤثرين المحليين وإجراءات عقابية تطول من يتواصلون مع الخارج، ويوضح تقرير الخارجية الأمريكية أن السلطات تسيطر على المناهج والكتب المدرسية والمواد التعليمية الحساسة، ما يحوّل المدرسة إلى امتداد لسياسات الضبط الثقافي. 

أصوات دينية في مرمى الاستهداف

وتعكس القيود المشددة على ممارسة الشعائر الدينية والتعبير عن الولاء الروحي لقيادات بوذية رمزية حالة تضييق مستمرة، وقد رصدت منصات إعلامية مستقلة تشديداً استثنائياً في محيط الذكرى السنوية لميلاد الدالاي لاما، شمل تفتيش الهواتف والحقائب بحثاً عن الصور والرموز الدينية، ومنع تواصل الأفراد مع أشخاص خارج التبت خلال هذه المناسبة، و ينسجم ذلك مع نمط رصده التقرير الأمريكي حول استهداف الممارسات الدينية غير المرخصة وإخضاعها لأنظمة مراقبة رقمية وميدانية. 

اختفاءات قسرية وتذويب ثقافي

تحضر قضايا المفقودين بوصفها أحد أكثر الملفات إيلاماً بين القضايا الحقوقية الرئيسية حيث أفاد المركز التبتي لحقوق الإنسان والديمقراطية برصد 63 حالة اختفاء قسري خلال أربع سنوات، مع ترجيح أن يكون الرقم الفعلي أعلى بسبب الخوف من الانتقام وصعوبة التوثيق، كما توثق منظمات أممية وخبراء حقوقيون كذلك حالات احتجاز بمعزل عن العالم الخارجي بحق رهبان ونشطاء لا تُعلن مواقعهم أو أوضاعهم الصحية والقانونية بشفافية بحسب مفوضية حقوق الإنسان.

يبرز ملف المدارس الداخلية الحكومية التي تجمع أعداداً ضخمة من الأطفال التبتيين بعيداً عن أسرهم كأنه لبنة أساسية في سياسات الاستيعاب الثقافي، وأكد خبراء أمميون أن ما يقرب من مليون طفل تبتي قد أُدرجوا في منظومة تعليم داخلي منفصلة عن محيطهم اللغوي والثقافي، متسببين في تفكيك روابط الأسرة والمجتمع المحلي وتقليص مساحة اللغة التبتية في التعليم والحياة العامة، ورغم نفي السلطات الصينية اتهامات الاستيعاب، تعدد مصادر مستقلة أنماط التأثير التراكمي لهذه المدارس في الهوية واللغة.

عمل ونقل قسري للسكان

يمتد القمع إلى الاقتصاد والمعيشة من خلال برامج نقل وتوطين قسري للسكان الريفيين والتضييق على أنماط كسب العيش التقليدية، وقد وثقت هيومن رايتس ووتش عمليات إعادة توطين واسعة النطاق شملت تفكيك قرى وتهجير رعاة وياكين، مقابل وعود بفرص عمل حضرية لا تتحقق في كثير من الأحيان، وكذلك ضغوط على سكان المناطق الريفية للانخراط في برامج تدريب وعمل منخفضة الأجر، وترى المنظمة أن هذه السياسات تعكس مساراً أوسع لإعادة هندسة المجتمع بما يخدم أهدافاً أمنية وتنموية رسمية على حساب الحق في السكن والعمل والثقافة. 

قمع عابر للحدود

يتجاوز الضغط حدود الجغرافيا إلى مجتمعات المنفى، حيث يوثق تقرير الخارجية الأمريكية أنماط مضايقة ومراقبة للتبتيين في الخارج، تشمل جمع معلومات قسرية في القنصليات، والاستهداف الرقمي لمؤسسات الجاليات، وتخويف الأقارب داخل التبت لإسكات النشاط الحقوقي والسياسي، وتتقاطع هذه الوقائع مع شكاوى متكررة لمنظمات تبتيّة في الشتات من محاولات اختراق لشبكاتها وإضعاف روابطها الأسرية.

قيود على الوصول والإعلام

تفرض السلطات الصينية نظام تصاريح خاصاً لدخول المنطقة الإدارية المسماة منطقة التبت ذاتية الحكم، ونادراً ما تمنح هذه التصاريح للصحفيين الأجانب، في حين يخضع الدبلوماسيون والزوار لرقابة مشددة تحد من الحركة والاتصال الحر، وفي تقرير سنوي رفعته واشنطن إلى الكونغرس أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوصول إلى التبت لم يتحسن خلال عام 2024 وأن طلبات السفر الرسمية لم تلق الموافقة، فيما بقيت الاتصالات مع السكان المحليين خاضعة لقيود وتتبّع ملاحظ. هذا الانسداد يعمّق فجوة المعلومات ويصعّب التحقق المستقل من الانتهاكات الميدانية. 

حماية البيئة ثمنها السجن

يظهر استهداف المدافعين عن البيئة بوصفه مؤشراً على حساسية الدولة تجاه أي فعل مدني منظّم، خاصة في مناطق التعدين والرعي التقليدي، وقد رصدت مذكرات أممية علنية قضايا نشطاء بيئيين من التبت احتجزوا على خلفية احتجاجات سلمية ضد التعدين أو صيد الأنواع المهددة، مع غموض يلف مسار محاكماتهم وإمكانية حصولهم على مساعدة قانونية، كما أثارت تدخلات أممية حديثة قضية الناشط تسونغون تسيرينغ، مطالبة بالكف عن ملاحقة المدافعين بسبب نشاطهم. 

التعذيب والإفلات من العقاب

تتكرر في السجل الحقوقي شهادات عن تعذيب ومعاملة قاسية داخل مراكز الاحتجاز، تشمل الحرمان من النوم والغذاء، والعزل الطويل، والعمل القسري، ويخلص تقرير الخارجية الأمريكية إلى أن غياب التحقيقات المستقلة واستمرار القيود على المحامين والزيارات يصنع دائرة إفلات شاسعة تحول دون جبر الضرر، وتُضاف إلى ذلك قيود واسعة على الفضاء الرقمي، إذ توثق منظمات تبتيّة سياسات حجب وتشويش على الإذاعات المستقلة باللغتين التبتية والماندرين وملاحقة النشطاء الإلكترونيين، ما يعمّق عزلة المعلومات. 

ردود الفعل الدولية والمحلية

توازياً مع تقارير المنظمات التبتيّة والمحلية، واصلت منظمات دولية، كفريدوم هاوس وهيومن رايتس ووتش وإذاعة آسيا الحرة، نشر تحديثات دورية حول مؤشرات التراجع الحقوقي، من نقل قسري للسكان والقيود على التعليم باللغة التبتية إلى تصعيد المراقبة في المناسبات الدينية. 

على الضفة الأخرى تؤكد بكين أن سياساتها تهدف إلى تحسين الخدمات التعليمية والصحية وتخفيف الفقر وحماية الاستقرار، لكن المنظمات الحقوقية ترى أن هذه الإجراءات تتم بمنطق قسري يهمّش المشاركة الحرة ويقوّض الحقوق الأساسية. 

يقدَّر حجم الجالية التبتية في جنوب آسيا وخارجها بمئات الآلاف، مع تقديرات تفيد بتراجع الأعداد في الهند ونيبال وبوتان مقارنة بالعقود السابقة، ويواجه هؤلاء تحديات قانونية ومعيشية مرتبطة بالإقامة والعمل والهوية المدنية، في حين تواصل منظماتهم الدعوة إلى وصول إنساني أفضل للمعلومات والثقافة والتعليم باللغة الأم داخل التبت، وإلى آليات دولية أكثر فاعلية للرصد والمساءلة.

مسارات القانون الدولي

تستند الانتهاكات الموثقة إلى أطر قانونية دولية واضحة تشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل، تؤكد البيانات الأممية أن سياسات النقل القسري للسكان والتقييد الممنهج لحرية الدين والتعبير والتعليم باللغة الأم تتعارض مع التزامات الصين التعاهدية، وتستوجب تدخلاً فعالاً من آليات الإجراءات الخاصة ومجلس حقوق الإنسان، في السياق ذاته توصي منظمات حقوقية بإتاحة وصول غير مقيّد للمقررين الخاصين وللإعلام والمنظمات الدولية إلى التبت، ووقف سياسات التذويب الثقافي، والإفراج عن المحتجزين بسبب نشاطهم السلمي.

تغطي التقارير الأمريكية الدورية حول ممارسات حقوق الإنسان القسم الخاص بالتبت ضمن ملف الصين وتؤكد عدم حدوث تحسن جوهري في عام 2024، وبالتوازي أصدر خبراء الأمم المتحدة مذكرات علنية بشأن مدارس داخلية يقدّر أنها تضم ما يقارب مليون طفل تبتي، وحول سجن مدافعين بيئيين والاختفاءات القسرية، في حين وثقت منظمات تبتيّة محلية ارتفاعاً في القيود الرقمية والإعلامية والتشويش على الإذاعات المستقلة.

 في السياق الميداني رصدت هيومن رايتس ووتش عمليات نقل سكاني واسعة ونماذج عمل قسري مرتبطة ببرامج التخفيف من الفقر والتنمية الحضرية، وعلى صعيد الوصول الدولي أكد تقرير أمريكي إلى الكونغرس استمرار رفض طلبات دخول رسمية إلى المنطقة الإدارية المسماة منطقة التبت ذاتية الحكم، مع اشتراط تصاريح نادراً ما تمنح للصحفيين الأجانب، هذا التراكم يفسر اتساع فجوة المعلومات وصعوبة التحقق المستقل من الانتهاكات، ويعزز دعوات المنصات الحقوقية لفتح المنطقة أمام المراقبة الدولية وتفعيل مساءلة فعالة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية